بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
لمحات عن تاريخ
يهود العراق
الديانة اليهودية، بصورة ما، تعتبر ديانة عراقية أولاً، ثم فلسطينية ثانياً.
والسبب، لأن التأسيس الفعلي لهذه الديانة تم في (بابل) وان (التوراة ، الكتاب المقدس) اليهودي، قد كتبه فعليا اليهود المقيمون في بابل، حيث استلهموا أولا تراثهم الشفهي الفلسطيني الذي جلبوه معهم من فلسطين، ومزجوه مع تراث الديانة العراقية (البابلية) وأساطيرها المعروفة، مثل أسطورة الطوفان وقصة موسى، وآدم وحواء.
أما كتابهم التشريعي (القانوني) في (التلمود البابلي) الذي كتبوه أيضا في بابل مستلهمين الثقافة القانونية العراقية ومن أهمها (شريعة حمو رابي).
في بابل ظهر نبيهم حزقيال المعروف بـ (ذي الكفل) ويزور قبره المسلمون واليهود في المدينة المسماة باسمه إلى اليوم في الجنوب.
وفي العراق كذلك، جمع (عزرا) أسفار التوراة، ومات في العراق، وقبره في مدينة (العزير) في الجنوب، يرعاه المسلمون واليهود معا.
كما إن (التلمود البابلي) يعتبر الأكثر صحة من التلمود المقدسي، وكان جزء من جهود المدارس اليهودية التي أسست في جنوب العراق منذ القرن الثاني للميلاد.
كما أسست معابد وبنيت مراقد يهودية كحال قبر (النبي ناحوم) في قرية (القوش) المجاورة للموصل أو (يوشع) الكاهن في الكرخ.
تاريخ يهود العراق
تعتبر الطائفة اليهودية في العراق من أقدم الطوائف اليهودية في العالم، إذ يرجع أصلها إلى القرن السادس قبل الميلادي، من الأسرى الذين جلبهم (نبوخذ نصر) من فلسطين بعد سقوط دويلاتهم.
وقد أتت بعد ذلك هجرات يهودية مستمرة من فلسطين إلى العراق.
قام كورش الفارسي للعراق بالقضاء على دولة (بابل) سنة 538 ق.م التي كانت آخر دولة عراقية، وكانت بقيادة السلالة الكلدانية، و يعتقد بأن لتعاون اليهود مع كورش في فتح بابل من جهة وتحريض زوجته اليهودية الجميلة من جهة ثانية ورغبته في مد رقعة الدولة الفارسية وتكوين إمبراطورية مترامية الأطراف من جهة ثالثة أثراً كبيراً في سماح كورش لليهود بالسكن في فلسطين لمن أراد منهم ذلك.
هكذا جاءت القافلة الأولى برئاسة (زر بابل) مؤلفة من 42360 شخصاً و 7337 عبداً و تبعهم بعد ذلك جمع غفير.
إلا أن العائدين لم يكونوا كل اليهود ، إذ فضل غالبيتهم العيش في العراق بعد أن تيسر لهم رغد العيش.
وبذا يمكن القول بأن يهود العراق تألفوا من أسرى أولاً و مهاجرين طواعية ثانياً!، ثم أخذ عددهم حتى بعد قدومهم لفلسطين في عهد كورش، يزداد مع مرور الزمن و مما ساعد على ذلك ما كانوا يتعرضون له من اضطهاد في فلسطين على يد أباطرة الرومان فكانت بيئة العراق بمثابة متنفس لهم يفدون إليها من وقت لآخر فراراً من ظلم الرومان و طمعاً في حماية الفرس وهكذا تكونت جاليتهم وأصبح لهم كيان في العراق.
في العصر الإسلامي
لقد اعتبر الإسلام (اليهودية) ديانة توحيدية نبيها موسى المرسل إلى بني إسرائيل، والذي تكلم إليه الله في طور سيناء، حيث أوحى له التوراة التي حرفها اليهود في وقت لاحق.
لذلك لقي اليهود في عهد الدولة العربية الإسلامية كل اهتمام و تقدير وعوملوا معاملة جيدة بل أن بعضهم ارتقى مناصب مرموقة في عهد الدولة العباسية.
وصار رأس الجالوت بفضل أهمية العراق رئيس الطائفة اليهودية في العالم أجمع واستفاد اليهود من جو التسامح والرعاية، فلمع منهم العديد من العلماء والأطباء والحرفيين والخازنين، ورجال المال، وكان منهم الطبيب فرات بن شحناتا وحسداي بن أسحق. وقد ازدهرت معابدهم في عهد الخليفة المعتضد خصوصاً أكاديمية سورا التلمودية، ولمع من الأحبار والعلماء سعديا بن يوسف المعروف بسعديا الغيومي وهارون بن يوسف وغيرهما.
و قدر عدد اليهود في عهد الخليفة المستنجد العباسي عند زيارة الرحالة اليهودي بنيامين القطيلي لبغداد سنة 566 هـ - 1170 بأربعين ألفاً في بغداد وحدها يعيشون بأمان وعز ورفاهية ،و كسبوا مركزاً مالياً ممتازاً وكانوا يتمتعون بالحرية الاقتصادية وحرية الدين فكانت لهم مدارسهم و كنسهم و لقي حاخامهم الأكبر كل تعظيم واحترام.
لذا يمكن القول بأنهم تمكنوا في العهد الإسلامي في اكتساب ثقة الخلفاء والقادة العرب ونالوا حقوقهم المدنية والدينية ومارسوها بحرية مطلقة .
و لما زالت دولة بني العباس على يد المغول ذاق اليهود كما ذاق كل العراقيين الأمرين على يد الغزاة المغول. استمرت أحوال اليهود وغيرهم من العراقيين تسوء تحت ظل المغول.
كذلك في زمن الاحتلال الفارسي ، إذ واجه اليهود اضطهاد، حتى انتهت سيطرتهم على العراق عام 1638 حين جاء الأتراك ، وبدأت أوضاع اليهود العراقيين تسير في طريقها إلى الأفضل.
وقد اعتبر اليهود دخول السلطان التركي إلى بغداد " يوم معجزة " ، واستطاعوا خلال فترة الحكم العثماني ( 1638 - 1917 ) أن يمارسوا أمور حياتهم بحرية تامة ، واتسعت الطائفة وتعاظمت وعاش أفرادها جنباً إلى جنب مع مسلمي العراق الذين كانوا يرون أنفسهم مسئولين عن حماية جيرانهم وأصدقائهم من اليهود.
برزت مكانة اليهود خلال الفترة الأخيرة من الحكم العثماني - في مجال التجارة والأعمال، وكان رئيس صيارفة الوالي المعروف باسم " صراف باشا " يهودياً ، واشتهر من بين هؤلاء الصيارفة ساسون بن صالح بن داود الذي تقلد هذه الوظيفة أعواما طويلة. قدر الرحالة (بدرو) تكسرا في زيارته للعراق سنة 1604 – 1605 عدد اليهود تقديراً مبالغاً به حين قال بأنه يتراوح بين 20 – 30 ألف بيت. و قدر عدد الأسر اليهودية في بغداد مطلع القرن التاسع عشر بنحو ( 2500 ) أسرة يهودية، و صار اليهود ممثلين في مجلس المبعوثان بعد إصدار الدستور العثماني سنة 1876 م.
وقد انتشر يهود العراق في المدن والقرى العراقية ولاسيما بغداد والموصل والبصرة وكركوك ، وكانوا يقومون بالأعمال الاقتصادية المختلفة، وكانت لهم علاقات تجارية وثيقة بالهند وإيران. وازدهر هذا الدور إثر افتتاح قناة السويس في مصر عام 1868 ، وتعاظم دورهم في أعقاب الاحتلال البريطاني للعراق بعد الحرب العالمية الأولى عام 1919.
وقد ترك كثير من يهود بغداد منذ القرن الثامن عشر موطنهم واتجهوا إلى الشرق الأقصى من أجل التجارة وتوزعوا في كالكوتا وبومباي ورانجون وسنغافورة وهونج كونج. ونال بعضهم جنسيات أجنبية إنجليزية وفرنسية وقدموا خدمات كبرى للدولتين كما عمل غيرهم كوزراء لدى أفراد المغول في الهند. وقد شكل يهود بغداد في الهند طبقة مترفعة عن يهود الهند الذين يسمون بني إسرائيل ويعدون من الملونين بينما كان يهود بغداد يعتبرون أنفسهم مساوين للحكام البيض (الأوربيين) في الهند .
وقد بقيت هذه الطوائف تعتبر الطائفة اليهودية في بغداد المركز الروحي والديني رغم أن عدد أفرادها أصبحوا مستقلين سياسياً واقتصادياً وقد ساعدتهم ثروتهم التي جمعوها على إعانة يهود العراق وغيرهم من يهود الشرق بإنشاء المدارس والمؤسسات الخيرية والمعابد.
وتولى العديد من يهود العراق رئاسة المصالح الاقتصادية والمكاتب الحكومية ، وكان لهم بنوك عديدة منها بنك زلخة وبنك كريديه وبنك إدوارد عبودي وغيرها ، كما احتكروا عدة صناعات كالابسطة والأثاث والأحذية والأخشاب والأدوية والأقمشة والتبغ والجلود وغيرها واحتكروا استيراد بعض السلع مثل منتجات شركة "موبيل أويل " الأمريكية ، كما عملوا في معظم المهن الحرة كالطب والصيدلة والصحافة والطباعة.
وبلغت مساهمة يهود العراق في الحركة الاقتصادية أوجها قبيل الحرب العالمية الثانية، إذ كان أكثر من نصف الأعضاء الثمانية عشر بغرفة تجارة بغداد من اليهود وكان من بينهم الرئيس والسكرتير.
في عام 1948 اجبر عشرات الآف من اليهود على مغادرة منازلهم وتمت مصادرة أموالهم الغير منقولة التي وضعت تحت إشراف دائرة الأموال اليهودية.
وفي 9/3/1950 صادق البرلمان العراقي على قانون يقضي بالسماح لكل يهود العراق بالهجرة - إن أرادوا - بشرط التنازل عن الجنسية العراقية وعن كافة ممتلكاتهم.
وفي عيد الفصح اليهودي عام 1950 كان الخروج من العراق والذي حمل اسم عملية " عزروا ونحميا " ولم يبق من اليهود سوى خمسة الآف فقط من بين 120 الفاً تقريباً. أو ما يقارب 600 أسرة يهودية. صدر عام 1952 القانون الذي يسقط عنهم الجنسية