الجزائر اليوم من أقصاها إلى أقصاها تبكي مع مدينة تيارت في مصابها الجلل.. قنوط عام يقرأه الجميع على وجوه الشباب في كامل زوايا الوطن! شاب من باب الوادي قال لي عندما اكتشف أنني وراق وبائع كلام: لو كنتم رجالا لطالبتم بإسقاط هذه الحكومة.. فرد عليه زميله بنبرة فيها غصة بكاء: الحكومة ساقطة من زمان.. وهل يمكن أن تسقط الصحافة ما هو ساقط من الأساس!
أحسست بشيء من الغثيان وخبأت رأسي بين أذنيّ ''كالطحّان'' وغادرت المكان.. وأنا أردد: ماذا عساي أن أكتب عن هؤلاء الشباب الذين هزتهم محنة شباب تيارت أكثـر مما هزت رئيس الحكومة وبرلمان الحكومة.. وحكومة اللاحكومة؟! هل أكتب عن الشباب الذي يغرق في البحر.. أم أكتب عن البلد الذي يغرق في الرداءة والفساد؟
في بريان يصرح الوالي بأن غضب الشباب في هذه البلدة قد أدى إلى تحسين وضع البلدة بإقامة محافظة للشرطة بها! وتعويض ما كسره الشباب وأحرقه من ممتلكات، ويقدم ذلك على أساس أنه من الإنجازات الكبرى في البلدة التي أتت بها ثورة الشباب!
هكذا أصبحت السلطة عاجزة حتى عن قراءة الأحداث بشكل صحيح.. يطالب الشباب بالعمل فيزوّدون بمحافظة الشرطة!
ومن أغرب ما سمعت أن رئيس الحكومة عندما انتقل إلى هناك لإطفاء النار نصب لجنة للحكماء لفض النزاع.. ولكنه اغتنم الفرصة وتحدث إلى هذه اللجنة عن العهدة الثالثة وتغيير الدستور! فكان وضعه في هذا الأمر كمن يغني في مقبرة أو جنازة!
البلد فعلا في محنة، وحالة الشغور العام هي المظهر العام.. بعض الشباب يركب البحر كما يشاء ويغرق فيه كما يشاء، والبعض الآخر يصعد كما يشاء إلى الجبال.. وينزل حين يشاء بفتوى أو بتوبة نصوحة أو غير نصوحة.. والمهم أن الحكومة لا دخل لها فيما يحدث في البلد!