يجلس على كرسي خشبي قديم بلونه ونقشه، يسرح فكره المنتحب في سهوم، ويرسل نظره الحائرفي شرود، يستكشف جمال المكان، ويختبر باطن الأشياء،
صور معلقة لخيول عتيقة، تخيلها تسعى في حلبتها، تتمايس في رقصتها، تزهو في دلالها.
وحدائق مونقة، تبدو له بأزهارها وورودها عرصة زاهية،
قلل قديمة متدسمة بقدم السنين، تكسوها وريقات الحبق بالجمال،
وباب منقوش برموز سريالية لا يجيد قراءتها،
وأرض ملبطة بزليج أندلسي،
وأرصفة مرصوفة بأزير وريحان.
وفي وسط المكان نخلة فارعة ، تحنو لهبات النسيم، وتتراقص في الفضاء،
وسكون يلبس المكان بهاء.
لم يدر كيف استدارت موجات دماغه الهائجة إلى عقل متأمل، وكيف استحالت نظراته الباطنية إلى أسئلة مفزعة، تستفسر ملامح الوجود، وتسأل عن مخزون الطبيعة، وكأنها تلح عليه في غور تجربته الوجودية، بأن يقرأ الأشياء بقراءة أخرى، ويركب للوجود تعريفا جديدا، يستوحيه من سرحانه في عالمه اللاماورائي.
ويخترق المكان صدى أغنية لأم كلثوم وهي تغني من رباعيات الخيام،
ويشعر بآفاق مفتوحة توحيها إليها كلمات الأغنية، ويحس بأن التفسير الذي يبحث عنه عقله لذرات ما يرى، يغيب في صحو عقله، فيرغم نفسه على البقاء شاردا،
فيتكلف الشرود حتى يحس بأنه في غيبوبة،
لكنه يصطرع بفراغات معتمة في ذاته، ومناطق مدلجة في وجوده، فيقول في عقلانية الفيلسوف، وانسياب الشاعر:
أنا موجود في هذا الكوكب الكريه بين آطام ذاتي، أستفسرها حينا بعد حين من أنا؟؟
فلا تجيبني بما يزيل الريبة، وأكرر عليها السؤال مرات فتتجاهلني،
فمن أنا ؟؟
حيرة تصهر ذاتي في محرقة الوجود، وصورة تتشظى آدميتها بين ذرات الكون، وقطعة شاردة بين رمال الوديان، وجوهرة مقذوفة في صحراء التيه، تبحث عن وجودها تحت ركام الطين، وغبار الذات.
غريبة، كريهة، تبحث عن ضالتها في لجة البحار.......
فتحملها موجات العناء إلى سطوح اليأس.
وتعود للأسى والحزن،
وتؤوب إلى رغباتها في ديجور الغيبة،
تشق الحياة، ترسم الخطوط، تضع الأهداف، تبني الوهم،
طفل صغير،
بكاء، صخب، لعب، حزن،
يقبع بالكوع، بالدماغ، يشل الإرادة، يخمر العقل،
وتبلغ الآمال ذروة النشوة،
فتحترب الأفكار،
فترى الوجود سرابا، والحياة خداعا،
ثم تختمر بداخلها ضمائر سوداء،
واأسفاه!!!
إنها متعة الغياب،
شرود الذات لها ثمن، !!!!
أنا عدم بلا وجود، فقد بلا حضور، بعد بلا قرب، فارس بلا صهوة،
وآفاق مفتوحة بلا حقيقة، ولذات بلا نهاية،
واغتراب في زمن الروح.
لذتي في غيابي، وحيرتي من سكوني، وحياتي في ذاتي، وراحتي من حضوري
سكر يفقدني أسئلتي،
استفهاماتي،
ينسيني وجودي،
وأنا عذابي من نسيان مرافئ روحي، ومغاني ذاتي،
فهل سأحتار غدا في أغوار البعاد ؟؟ أهل سأعود صاحيا بلا غيبة؟؟
وتهب نسائم الأمل، وتنفح في الذات روح الحقيقة،
فيرى الوجود مبتسما، وسيرا بلا كلل، وعناء بلا ضجر، وحقيقة من وراء هذا الجبل.</STRONG>