موضوع: ســــهـامٌ فـلــــــسطـينـيــــــــة الأحد يونيو 01, 2008 11:24 pm
ســــهـامٌ فـلــــــسطـينـيــــــــة
بعد أن لونت الشمس ضياؤها ، وبعد صحو الطيور وألحانها .. دقت عقارب الساعة مشيرة إلى الساعة السادسة صباحاً .. حاولت تفرقة رموشي بفتح عيوني لكني لا أكاد أن أفعل إلا ويغمض النعاس جفوني .. ولكن .. رنين الساعة يغيظني.. جلست ُ على السرير محاولة الاستيقاظ ، لملمتُ خصلات شعري الكستنائية اللون وسترتُ جسدي بقميصي الأزرق الفاتح الطويل ، وعدلتُ سلسلة رقبتي .. اغتسلت بالمياه الباردة المنعشة وذهبتُ لصنع مشروبي الساخن ، وضعتُ المياه على النار وأحضرت الفنجان الخاص .. وبينما أنا أجهز المشروب كانت شفاهي تصرخ بلا صوتٍ متثائبة ناعسة .. أمسكتُ بفنجاني البني ودخلتُ غرفة المكتب التي أحب الجلوس بها وأحب أن أمضي كل حياتي بين كتبي وأوراقي . في حجرتي هذه : مكتب ، كرسيٌ هزاز ، تلفاز ، آلة للاسطوانات الموسيقية ، زاوية للكتب والدفاتر المهمة وحاسبٌ الكتروني . فتحتُ التلفاز .. قناة فلسطين المحتلة .. خبرٌ عاجل : اختفاء الطفلة سهام البالغة من العمر أربعة أعوام . ، أدهشني الخبر ، وأرهبني موقف والديها وصراخ أخوتها .. وبينما أنا أتابع الخبر إلا وصورتها صفـَـعَــت وجهي بسرعة البرق ... إنها الطفلة سهام !! إنها صاحبة السلسلة التي وضَـعتها على رقبتي هدية .. رأتني سهام وفي يدي قطعة كبيرة من الشوكولا .. فنـَـــظـَــــرَت إليّ فرقّ قلبي لها ووهبتها نصف قطعة الشوكولا .. فألبـَــسـَــــتني قلادتها وقالت لي اسمي سهام من فلسطين إنها خارطة فلسطين حافظي عليها لا من أجلي فقط بل من أجل فلسطين .. انحنيتُ لها .. ضممتها وقبلتها كثيراً .. قلتُ لها سأفعل من أجلك ومن أجل فلسطين ..
ابتـَــسـَـــمـَـت وعني ابتـَــعَـدت ، هذا ما حصل ما بيننا .. فلو كنتُ أعلم أين رحـَـلـَـت لكنتُ الآن في طريقي إليها .. تراها إلى أين ذهبت وإلى مـَـن لـَـجـَـأت ؟! ها أنا أقلب قنوات التلفاز علني أكسب َ علماً .. ولكن !! ليس هناكَ أخباراً عنها .. ما بالها القنوات .. ! أخبارها العاجلة زلزالٌ أو اجتماع من كل أنحاء العالم .. وعن سهامٍ لا خبر ولا سؤال ..؟!! أين الصحافة .. أين أصحاب القنوات !! .. أين الأقلام والأوراق !! أين أصبحـَـت سهام ؟ أنا لم أعرف عنها الكثير وقلبي عليها تأكله النيران .. هذا طبعي فأين أصحاب الضمائر .. !! دخلتُ لحجرتي مسرعة .. ارتديتُ ما أمامي من ثياب .. نظرتُ إلى أرجاء الغرفة أبحث عن مفتاح سيارتي .. ها هو على طاولة الحجرة الصغيرة .. تناولته وخرجتُ من المنزل ، النسيم يحرقني رغم برودته .. فقلبي ينادي سهام ولا أسمع صوتاً ولا أرى لها آثار .. التفتُ باحثة عن سيارتي .. ها هي لقد وجدتها .. ركبت سيارتي وحاولت أن أقودها ، لكنها تعاندني تأبى المسير .. أفٍ من الأحزان .. لا يوجد وقود .. وأنا ما زلتُ على إصراري الذي عنوانه سهام ، لن أرضى بدموع والديها وأحبائها ولن أرضى بالظلمِ الذي يحيط المكان .. إن كانت نفوسٌ ترضى فأنا نفسي تأبى .. سأمشي على أرجلي لأبحث عن سهام ولن أنظر لساعة يدي لأن ما يهمني هو نتيجة بحثي لا زمني .. أمشي وأمشي ودعائي للرب متواصل .. صوتي مبحوحٌ لكن الرب يسمعني ويراني ويعلم ما تخفيه نفسي دون أن أبوح بسري .. الضجيج يعم الطرقات .. وأصوات الإسعاف واحدة ... والأجساد متنوعة بين الكبيرة والصغيرة .. نحيلة وثخينة .. وعيوني تبحث عن سهام .. تلك الطفلة الرقيقة تلك الروح الطاهرة والابتسامة البريئة .. مشيت ومشيت .. فارقتني الشمس ورافقني القمر .. والنجمات معي بالسهر .. أمسكتُ بقلادتي ( خارطة فلسطين ) .. قبلتها بحرارة .. وتابعت المسير .. وكلي أملاً للقيا سهام ..
من ذاك الدرب .. يصدر أصوات .. هناك أطفال .. ربما معهم سهام ... ناديتُ بأعلى صوتي .. سهام .. سهام .. ولم تأتِ سهام .. وفي روحي بليارٌ لقهر العدو من السهام .. أتابع السير وحدي .. بوجعي ، بحزني .. وخطواتي غير متساوية .. مشيت إلى أن اقتربت من بقعة أرض .. رأيت بها أناس .. يبدو أن هناك مؤامرة .. اقتربت قليلاً .. فالأشجار مبعثرة بكثرة تعيق رؤيتي .. اختبأت بين أفرع ِ شجرةٍ كبيرة أفرعها غير محدودة .. أمعنتُ النظر .. إنهم جنود مجتمعة ، تتوسطهم خارطة فلسطين .. حدودها أسلحتهم غير التي يسترون بها أجسادهم الخبيثة المتسخة .. نظرتُ إلى قلادتي وقبلتها بألمٍ وأمل .. ضممتها إلي وشممتها .. أشتم بها رائحة روحٍ زكية .. روح سهام .. ولكن التفت يميناً شمال .. أبحث عن سهام .. يا لحزني .. يا لوجعي .. لم أرَها .. لكنني أشعر بها .. أشعر بحضورها .. افتكرت لبرهةٍ أنها في مخبئهم القذر .. وفجأة .. سقـَــطـَــت بين قدميّ حجرة صغيرة .. قفز لها قلبي .. علمتُ حينها أنها علامة من سهام وأنها تراني .. كادت أن تتفجر عينيّ من حـَــذَري وتمعني بحولي .. فأمسكتُ بالحجرة وصعدتُ بها لأعلى الشجرة .. حتى بانت علي خارطة بلادي وحولها ذئاب من البشر ووحوش نجسة ..كالكلاب المفترسة يتآمرون على أرق الخلائق وأنبل الأخلاق أمعنتُ النظر ورميتُ الحجرة وسط بقعتهم .. فافترقوا من حولها كالغبار والفأر الجبان .. وبكل أمل ظـَــهـَـرت سهام رأيتها .. يا إلهي .. حمداً لك إنها سهام .. هبطتُ شوقاً إليها .. ضممتها إلي قبلتها .. حملتها وركضت بها لأمها لأبيها ولأحبائها .. وهكذا وجدتُ سهام الغالية وحققتُ أمنيتي وإصراري وأعدت البسمة لأحباء سهام بإعادتها إليهم .. فهكذا تكون الفرحة ... وهكذا يكون النجاح .
الخلاصة : الوطن هو أول ما نفكر به .. ونعمل لأجله فنحن للوطن والوطن لنا وحدنا .. الوطن ليس فقط بأرضه بل بشعبه أيضاً. يجب أن يكن لنا هدفاً أو أهدافا في الحياة نسعى دوماً لتحقيقها .. يجب الإصرار على تنفيذها بنجاح مهما التقينا بمصاعب ومهما حاصرنا القدر بقسوته فلابد من الصبر وتجاوز المحن بقوة وإرادة وعزيمة لنحقق أمانينا.