أنبــوبــة الـغـاز من بـهـا فـــاز : الصقر
غشني المنبه مجدداً ليدق الساعة التاسعة بدل الثامنة صباحاً ,, جن جنوني لقد تأخرت عن موعد تدريب الأطفال لاحتفال تخرجهم في روضة طيور الجنة ,,مسكت هاتفي النقال وكلمت صديقي :
الووووووو صباح الخير يا سليمان :
_ صباح النور لماذا تأخرت في النوم ؟؟؟؟
أسف يا صديقي فقد غشني المنبه مرة أخرى هذا الصباح ولكن هل أنت جاهز للذهاب؟؟؟
سليمان : نعم جاهز فلا تقلق خمس دقائق وأكون لديك حاضراً
جيد يا صديقي أنا في انتظارك .
جاء صديقي وانطلقنا نمشي ونمشي فالسائقين وسياراتهم في أجازة ربما تطول بسبب غياب الوقود وانقطاع الغاز ,,ولكن لا يهم لطالما لدينا عزيمة بان نمشي ولطالما معظم الناس بغزة أصبحوا يمارسون رياضة المشي دون رغبتهم بذلك .
ولكي لا نشعر بتعب الطريق وكالعادة وبالأمر الطبيعي نتحدث ونقص بعض القصص ونستذكر شقاوة أيام الطفولة عندما كنا نخاف من سواد الليل ونمسك في ثياب أمهاتنا ونصرخ خوفاً من( الغول), ياااااا ما أجملها من أيام قضيناها بدون حصار ولا تجويع فكنا أصلا لا نعرف ما معنى كلمة حصار ,,,
نضحك بطريقنا ونضرب الكف بالكف وننظر لحقول القمح ونتأمل لنقارن بين السنابل الفارغة والمليئة لنرى حكمة جميلة وهى كيف السنابل الفارغة شامخة وكأنها مفتخرة رغم وقاحتها بعدم حملها لحبات القمح بينما السنابل المليئة تنحني لك بكل تواضع رغم حملها الوفير ,,,تركنا السنابل وشأنها لأننا شعرنا بأن نصفها غضب منا فربما سمعت ما نقول واحتراماً لها صمتنا لأننا خفنا بصراحة من ان ينقطع الطحين في الأيام المقبلة اذا غضبت منا هذه السنابل فكل شئ بغزة جائز ومهدد بالانقطاع وأكملنا المشي ومشينا ,,,
فجأة وقعت أعيننا على تجمع كبير وصفوف تتزاحم به الناس كالجراد من كثرتهم ,,سالت صديقي ترى ما السبب ؟؟؟
قال الم ترى محطة الغاز فالناس تحرق نفسها تحت بطش الشمس من اجل اخذ مكان لحين دخول الغاز من إسرائيل لكي يملوا أنابيبهم فلقد سمعت مؤخراَ بان كثيرا من سكان غزة يعدون طعامهم على النار والحطب ,,
لكن يا صديقي كل يوم اسمع بان الوقود والغاز سيدخل ولكن لا يدخل شيئا ولا حياة لمن تنادي ؟؟
سليمان : صحيح كلامك فالناس أصبح لديهم جنون الإشاعة من حياتهم الصعبة فلا يملكون أي شئ ألا تصديق الإشاعات لأنهم تعبوا وجاعوا وصبرهم فاق كل اعتبار فلا غريب بما يفعلون ,وما سيفعلونه أيضا فالجميع يشتكي والنواح أصبح كالعطر من كل منزل يفوح ليغتال كل محاولات الناس لراحة البال ,,فوا لله الناس أصبحت
كالمثل الشعبي الشهير ( الغريق يتعلق بقشة ) وهؤلاء الناس غارقين بكل ما يذبح حقهم بالحياة الكريمة ...
أصبحت الساعة العاشرة ودخلنا روضة طيور الجنة وجدنا الأطفال ينتظرون وصولنا فقد القينا عليهم تحية الإسلام ولعبنا قليلا استعداد للتدريب فالحمد الله أهم شئ بتربيتنا للأطفال هو أعطاهم مناعة ضد رؤيتهم لأطفال العالم الذين كثيرا ما يبتسمون وقليلاً ما يبكون فحتى لا تدهور صحة أطفالنا ولكي نجيبهم عندما يتساءلون لماذا نحن لسنا كأطفال العالم ؟؟؟ولماذا هذا العالم كله ضدنا؟؟؟ فنعلمهم وننقش بأذهانهم مقولة (سحقا لأطفال العالم أن لم يبتسم طفل فلسطين)فباختصار هذا أخر نفس لدينا ولدى أطفال غزة ليرتاحوا قليلا ولنشعرهم بأنهم أبطال رغم أنهم اكبر من هذه الكلمة قليلاً ,,,
فرحنا ورقصنا وغنينا ورفعنا علمنا الفلسطيني في استعراض للسلام الوطني الفلسطيني حتى أصبحت الساعة الواحدة ظهراً فهذا موعد نهاية التدريب,,,فشربنا القهوة السادة ومن ثم رجعنا للبيت من نفس الطريق لنجد أيضا الناس جالسين تحت الجدران وعلى رصيف الإسفلت والشمس جدا حارقة ينتظرون عبور الغاز فالموقف قتلني والمنظر مؤلم ولكن ليس باليد حيلة ,, ففضلت السكوت والاستمرار أنا وصديقي بطريقنا ,,ولكن غضبت كثيراً باليوم الثاني عندما وجدت الناس أيضا بنفس المنظر بل أصعب من اليوم الذي سبقه ,,فهنا لم احتمل وبدأت اردد واصرخ وبصوت مرتفع مخاطباً الناس ,, يا ناس سحقاً للوقود وتباً للغاز فمن منكم من الأمس لليوم بأنبوبة الغاز قد فاز فاذهبوا لبيوتكم ولا تصدقوا الإشاعات فاجلسوا للتأكد على شاشات التلفاز من أخبار تخص دخول الغاز ولكن لم يستجيب أحداً بهذا اليوم ,,صراخي كان له نتيجة باليوم الثالث عندما رأيت عشرات أنابيب الغاز الفارغة بالمحطة دون وجود الناس ,,فهكذا غزة كل شئ أصبح فيها صعب المنال ولحتى الآن رغم مضي أكثر من أربعة أيام لا احد بطلاً بـــأنـبـــوبـــة الــــغـــــاز قــــد فـــــــاز .....
الإثنين يونيو 08, 2009 1:19 am من طرف محمد
موضوع: انبوبة الغاز من بها فاز 
