ما زالت أقلامي تذكر كل صباح بجانبها تذكر عينيها اللامعتين في ليل الغربة اللتين كانتا تجيبانني عن كل
تساؤلاتي بنظرة واحدة وثغرها الذي كان ينثر نشوة الفرح في قلبي لم أنسى دمعة من دموعها المتلألئة تلك التي ذرفتها في ليل الغربة
عندما فرقت بيني وبينها تلك القنبلة فسقطت دموعها أرضا وتكسرت وكسرت قلبي معها وهي تناديني بكل ألم لم يكن هناك مجال للوصول
اليها ومع ان المسافة كانت قريبة ولكن الزمن كان بعيدا بعيد فقد هرب الجميع من القرية هربا من الدقائق المتفجرة ودوي الصواريخ المدمرة
والقصف المدفعي الذي لم يقصف القلوب فقط بل قصف ومزق جسد القرية لم أستطع الوصول اليها فهربت بحياتي مع الناس ورحت أغوص
في طريق مشوكة تركتني لأمشي في سبيل الحياة وحيدا لأقرأ أيامها وأعبر نوافذ سنينها المظلمة لم تترك لي شيئا سوى اسمي وذكرياتي
وبينما أنا سائر في مسيرة ضخمة لكن صامتة ومتفجرة في نفس الوقت وفي أحد الطرقات وجدت جدي وجدتي كنت صغيرا عانقتني جدتي
وسألتني عن أمي صمت صمتا عميقا احسست باندفاع عاطفي يهاجمني بقسوة فصمتو معي والدمعة محبوسة في قلوبهم في تلك الفترة جدتي كانت
مثل أمي اعتنت بي وعطفت علي في تلك الخيمة العتيقة حتى تحولت الخيم الى بيوت بسيطة من حجارة وكبرت واصبح عمري 25 عاما
وكبرت معي السنابل والبقول التي زرعها أهل القرية الجديدة وبينما أنا سائر في أحضان القرية الجديدة لفتت انتباهي امرأة عجوز
تنظر يمينا وشمالا اقتربت منها فعادت ذاكرتي الى الوراء ورحت أتأمل وجهها المجعد وشفاهها الجافة وعيونها التي لم تتغير (انها أمي نعم
أمي أنا لمحت في عينيها صورتي غارقة بالدمع ورأيت نارها وشوقها مرفوعان على علم الحرية ورحت أنا وهي في عناق طويل
يلخص كل تلك الأيام التي قضيتها بدونها رحت اعانقها بشدة وشوق واقبل جبينها ويديها ونهر الدمع ينهمر من عيني وعينيها
آه أيتها الحياة! هنا تقف أمامي أمي التي لم أرها منذ عام 1948 انها الآن معي للأبد .......
كانت أمي عجوزا عندما التقيتها ولكنها كانت بالنسبة الي تلك الام التي تركتني قبل 18 عاما.......