لمحته يقف على جانب من الرصيف المقابل لكليتى ، لم أره من قبل هنا ،
رغم اننى لا أحب النظر إلى أحد أثناء مشي ،إلّا أن وقفته هى ما أثارت انتباهى .
كان يقف فى هيئة ممشوقة اختلطت بالأدب والشموخ والعزة فى شكل بديع ، لم ار رجل يقف مثله هكذا من قبل . أشحت بنظرى بعيدا عنه ، وتابعت طريقى ، رغم أنه لم هيئته لم تغادر عقلى ، لا أعرف لماذا ظللت أفكر فيه حتى عدت للمنزل .. أخذت ألوم نفسى على ذلك ، فأنا لم اسمح لأحد طوال سنواتى الواحدة والعشرون بأن يأخذ ولو ثانية من تفكيرى . كنت أخاف أن اقع يوما فيما يسمى بالحب ، الحب الذى كنت أخشاه منذ أن أدركت معنى الحياة ، كان مرتبطا لدى بالعذاب والجراح ، لا أعلم تفسيرا لذلك ، ربما لأن أمى وأبى منفصلان ؟!!. وربما لأنى أؤمن بأنه لا يوجد رجل بالدنيا يستطيع تفهم مشاعر المرأة ؟؟ ربما .. أعترف أننى أعشق مشاهدة الأفلام الرومانسية التى تجسد الحب فى صورة من الصعب حدوثها بأرض الواقع ، إلا أننى لم أسمح لأحلامى أن تتخطى حاجز مخيّلتى ، حتى اننى بت ارسم بعقلى صورة من الصعب اكتمالها فى شخص واحد ليكون من أحب ، أملا فى عدم وجود شخصا بهذه الصفات ، فلن يكون لدى حافز لكى أحب أحدا .. وتوالت رؤيتى له ، يقف ذات الوقفة التى شاهدته عليها أول مرة ، وعلمت فيما بعد من زميلاتى عندما رأيت إحداهن تنضم اليه وينطلقا سويا ، بأنها اخته الصغرى ، وهو يوصلها إلى الكلية ويأخذها يوميا ، لا أعرف لماذا شعرت بشئ يتحرك بقلبى عندما سمعت هذا ، فقلّما رأيت هذا من أحد تجاه أخته فى زمن لم يعد هناك أمان حتى بين الأخوة !!. وبينما أنا جالسة فى المدرج وذات يوم ، إذا بأخته تقترب وتجلس بجوارى ، تعجبت من تصرفها هذا ، فهى لم تعتاد الجلوس بجانبى ، لكنى انصرفت لمتابعة المحاضرة ، وبعد انتهاء المحاضرة ، فوجئت بها تقول لى :" نور .. زياد يريد أن يخطبكِ " .. انتابنى حينها شعور غريب ، شعور امتزجت فيه الفرحة بالخوف ، لم أدرى إلا وأنا أقول لها :" زياد من ؟ " ..كنت أعرف أنه اخوها ، لكنى لم أجد ما أقوله سوى هذه الكلمات . " زياد أخى يا نور " .. نظرتُ لها نظرة حائرة وأسرعت بالمغادرة ، أخذت الأفكار تدور برأسى فى سرعة واختلاط ، ولم انتبه إلا على ارتطامى بشخص ما ، فرفعت عينىّ لأعتذر لمن كدت أن أطرحه أرضا . كان هو ، يقف أمامى بهدوء .. " انتبهى يا آنسة ، كدتِ أن تقعى " ، ياله من صوت عميق هذا الذى خرج منه ، صوت ألجمنى وملأنى خجلا فأسرعت بالإنصراف من أمامه بدون حتى أن أعتذر . أخذت افكر وأنا فى طريق عودتى ، أين ذهب خوفى ؟ لماذا أحسست بالأمان عندما التقت عيناى بعينيه ؟ هل هذا هو ما كنت أبحث عنه ؟ هل هذه هى الصورة التى رسمتها لمن أريد حبه ؟ !!. يكفى أنه لم يوقفنى يوما ما ليتكلم معى ، فهذا يدل على احترامه ، حتى عندما اراد الإرتباط بى أرسل اخته لتحادثنى .. يبدو أننى أحببتك أيها الغامض ... لا أعلم متى احببتك ؟ ، لكن يبدو أن هذا ما حصل . لا أعلم كيف وافقت عليه ، كل ما أتذكره أنه قال لى يوم خطبتنا ، :" هل تعلمين يا نور ؟ لقد انجذبت إليكِ من اللحظة التى وقعت فيها عيناى عليكِ ، أحسست أنكِ أنت من أريدها زوجة لى "، " ... "لكنى لم ألحظ أنك نظرت لى يوما !! " ارتسمت على شفتيه ابتسامة رائعة وأجابنى :" ما قولكِ ؟ هل تتزوجيننى ؟ " أجبته والدموع تترقرق فى مقلتىّ :" نعم .. نعم يا من أُحِبُّك " .