كثيرا ما نتكلم عن التغيير والإصلاح، سواء في بلدنا الجزائر أو البلدان العربية، لكن لما نلتفت من حولنا لا نعثـر على الفئات أو النخب التي تؤطر هذا التغيير، تحمل همه وتستميت في الدفاع عنه.
وهذا لا يعني أن الناس أو الفئات الشعبية العريضة راضية بأوضاعها الحالية، وبأداء المؤسسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها، لكن هذه الفئات لم تجد النخب التي تلتف حولها لتمكنها من تحقيق تغيير أكيد. كما أن هناك تجارب مريرة في تاريخ عدة دول عربية تفيد أن ''الجماهير'' عادة ما تخيب آمالها عندما راهنت على قوى معينة ساندتها من أجل التغيير سيما إزاحة ما يسمى ''بالأنظمة الوطنية''، لكنها جنت الخيبات تلو الخيبات، وبالتالي من الصعب عليها اليوم أن تضع ثقتها في تيار معين، هذا إن وجد هذا التيار.
فعلا، اختفاء النخب يعد معضلة كبيرة اليوم، لعدة أسباب منها أساسا أن هذه النخب هي ضحية نفسها! فهي التي أرادت أن تبني لنفسها مكانة بطريقة مقلوبة وتافهة في آن واحد. فبدل أن تفرض مكانتها من خلال إسهاماتها في المجتمع، أو أن تستمد قيمتها ومكانتها من الاعتبار الذي تعطيه لنفسها، أو لنقل أن تعطي ''القدر'' لنفسها، كما يقال بالعامية حتى نوضح الصورة، بدل ذلك، انساقت النخب عندنا وراء السلطة طمعا في أن تمنحها هذه الأخيرة مكانة اجتماعية وسلطة أدبية على المجتمع، وتحقق بذلك ترقية اجتماعية ترى أنها ضرورية لها وأنها لن تستطيع تحقيقها بطرق أخرى غير التملق، والإقتتات على موائد بارونات أنظمة الحكم.
فعندما تنتظر النخب من السلطان أو السلطة السياسية أن تمنحها مكانتها الاجتماعية فهذا يعني تخليها عن وظيفتها الاجتماعية، سيما في جانبها النقدي، وقبولها بأن تكون في جيب أنظمة الحكم مقابل دراهم معدودة.
ولا ننسى أن كثيرا ممن ينتسبون للنخبة اختاروا الانكفاء على النفس والصمت.
صحيح أن الأنظمة السياسية في الدول المتخلفة ديمقراطيا تستعمل مختلف أشكال الضغط على النخب التي يمكن أن تؤطر بنجاح التغيير الاجتماعي الذي يؤدي لتجاوز الوضع القائم، سواء من خلال سياسات الإقصاء أو التجويع أو القمع أو ترقية المتطفلين ودفعهم إلى الواجهة لملء الفراغ وغيرها من الأساليب التي تمنع قيام نخب بأتم معنى الكلمة، لكن على من ينتمي لفئة ''النخبة'' أن يبرز سمة من المفروض أنها تتوفر في هذا الصنف من الناس وهي المقاومة وعدم التسليم بالأوضاع التي يصنعها الآخرون كحتميات، أو كما يقال عندنا بالعامية أن يتحلى الناس بقليل من ''النيف'' أو ''أخنشوش''، كما يقال في إحدى مناطق الجزائر، حتى يقولوا للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت.