ككل الايام مر يوم الطفل في حياة الطفل الفلسطيني ابراهيم احمد بلا اهتمام او معنى او قيمة.. ويقول أن لكل لحظة في حياته "ثمن لا يمكن ان اضيعه في المناسبات التي اجهل ولا اعرف الكثير منها، فانا لا اعلم ماذا يعني يوم الطفل وبالنسبة لي يوم سعدي الذي يهمني هو الذي اجني فيه مبلغا مناسبا اعود فيه لاسرتي لاوفر بعض مستلزماتها".
فبينما يحتفل الكثيرون من مؤسسات وفعاليات ومدارس وغيرها بيوم الطفل فان ابراهيم والكثير من اقرانه الفلسطينين يستقبلون هذا اليوم في تأدية اعمال بعضها شاق وصعب على من في سنهم، ولكن لقمة العيش هي اهم شيء في حياتي، وحتى يوم الجمعه لا اتوقف عن العمل فمتطلبات الحياة كثيرة"، يؤكد ابراهيم.
مأساة ابراهيم..
الطفل ابراهيم الذي بلغ الرابعة عشرة من العمر في مطلع نيسان اضطر لترك مقاعد الدراسه قبل عامين "رغم انني كنت متفوقاً، والسبب ان والدي اصيب بجلطة بعدما طرد من عمله في حيفا حيث كان يعمل في مصنع اسرائيلي قام بفصل العمال الفلسطينين ونهب مستحقاتهم واتعابهم، وقد تألم كثيرا لانه لم يتمكن من ايجاد عمل في جنين حتى مرض واصبح طريح الفراش، ولأنني اكبر اشقائي لم يكن امامي سوى ترك مقاعد الدراسة ولإنخراط في سوق العمل".
حياة قاسية..
ورغم صغر سنه، فان ابراهيم جاهز لممارسة كافة أنواع العمل، فهو تارة يعمل عتالاً في حسبة (سوق خضار) جنين، او بائعاً متجولاً في الاعياد والمناسبات، وتارة اخرى صاحب بسطة، ويقول: "الحياة صعبة وقاسية وعلينا ان نتحمل ونقاوم هذه الظروف.. احيانا اعمل 14 ساعة، فعائلتي تتكون من 8 انفار ولدي خمسة اخوة بينهم اربع بنات في المدرسة، وهمي الكبير ان اراهم يتفوقون وينجحون ويحققون حلمي الذي حكم علية بالاعدام. اضف لذلك اننا نعيش في بيت مستاجر ولا نملك أي مصدر رزق وابي بحاجه لعلاج ورعاية صحية".
هموم كبيرة
هذه الهموم جميعها تقع على كاهل ابراهيم الذي تخلى عن حلمه بمواصلة دراسته لكي يصبح طبيبا، ويقول: "اشعر بحزن شديد عندما اشاهد ابناء الحي الذي اعيش فيه او زملائي على مقعد الدراسة وهم يتوجهون لمدارسهم بينما اغادر منزلي قبل ان تشرق الشمس لابحث عن عمل جديد، فلا يوجد عمل منتظم في ظل الحصار الذي نتعرض له، ومع ذلك فانني لست بنادم ما دمت قادرا على رسم البسمة على شفاه اخوتي الذين ارى احلامي تتحقق فيهم".
ارتفاع نسبة القاصرين..
وتقول المصادر الفلسطينية ان عدداً كبيراً من القاصرين الفلسطينين انخرطوا في سوق العمالة في سن مبكر بسبب الظروف المعيشية الصعبة، رغم قيام الاتحاد العام لنقابات العمال بحملة واسعة للتصدي لهذا المشكلة الخطيرة والمطالبة المستمرة بمنع تشغيل القاصرين ومحاولته، كما يقول عبد الحكيم شيباني ممثل الاتحاد، مساعدة مثل الحالات التي تتزايد بشكل لم يسبق له مثيل بسبب ارتفاع معدلات البطالة التي وصلت حدا لم تشهده في السابق, ولكن تقريراً لمكتب المؤسسات الوطنية اكد ان نسبة الفقر والعوز في جنين سجلت خلال العامين الماضيين اعلى نسبها.
نماذج مختلفة..
ويمكن ملاحظة الظاهرة بشكل واضح في اسواق جنين حيث ينتشر اطفال تتراوح اعمارهم بين 10-16 عاما في اماكن مختلفة ليمارسوا شتى الاعمال.. فالطفل مؤمن ينهض من نومه في الخامسة صباحا وينتظر وصول الصحف اليومية ليبيع اكبر قدر منها قبل ان يتوجه لمدرسته، ويقول: "عائلتنا كبيرة ووالدي الذي يبيع الخضار بالكاد يوفر ابسط مستلزماتنا، لذلك استغل الساعات التي تسبق الدوام لابيع الصحف واحصل على مصروفي ومصروف اشقائي الخمسة ولولا ذلك لما واصلت دراستي".
يدرس ويعمل..
اما منير فانه ومنذ العام الدراسي الحالي لم يتمكن من الوصول لمدرسته في الموعد المحدد للدوام، ودوما كما يقول، "اصل متاخرا واواجه اللوم والتوبيخ من المدرس الذي لا يستوعب ان وضع عائلتنا المأساوي يفرض علي العمل لعدة ساعات في حسبة جنين".
منير البالغ من العمر 15 عاما يصر على تحدي الظروف الصعبة ليحافظ على دراسته ولقمة عيش عائلته، ويضيف: "استغل فترة الصباح من الخامسة وحتى الثامنة صباحا للعمل في الحسبة، وبعد الظهر اعود لاعمل في محل تجاري حتى المساء، فهذا الامل الوحيد لأستمر في المدرسة لان والدي عاطل عن العمل ولا يحصل على أي مساعدات ولديه سبعة ابناء جميعهم في المدارس، ولا يوجد لنا أي مصدر دخل.. هكذا هي حياتي منذ عامين، واكثر فأين هي الطفولة التي يتحدثون عنها؟ لقد فقدنا اعيادنا وافراحنا وطفولتنا وفرض علينا الاحتلال ان نصبح رجالا نتحمل المسؤولية."
معنى الطفولة..
الطفل باسم (14 عاما) رد على سؤال عن امنيته في يوم الطفل العالمي، اثناء قيامه بالعمل على بسطة خضار في بوابة الحسبة الجديدة في جنين فأجاب: "امنيتي ان اشعر بمعنى الطفولة وان اعيش كباقي اطفال العالم في اسرة سعيدة بلا احتلال او معاناة او حصار اخي معتقل واخي الثاني مصاب وابي عاطل عن العمل وتركت المدرسة مطلع العام الدراسي واصبحت اعمل في الحسبة هذه طفولة الفلسطيني".
اطفال في الورش..
في المنطقة الصناعية في جنين توزعت مجموعات اخرى من الاطفال على الورش المختلفة لتعلم صنعة وممارسة حرفة، كما يقول الطفل بسام، الذي ترك الصف العاشر وانخرط في العمل في ورشة للدهان. ويضيف: "عندما اشتد الحال الصعب على اسرتي وشاهدت أبي يبكي لعجزه عن توفير النقود لنا لم أتردد أنا وأخي الذي يكبرني بعامين على ترك المدرسة والعمل رغم انه شاق وصعب، ولكني أتعلم اليوم في الورشة واصر على احتراف المهنة بسرعة لأجني الاموال التي توفر لنا الطعام والملبس".
وبحزن وألم يقول: "عندما ينتهي يوم العمل اجتمع وأقراني الآخرين في المنطقة لنفكر ولكن ليس بالألعاب والاعياد ويوم الطفل ومعانيه، كما يفكر اطفال العالم، وإنما بقدوم اليوم التالي لنعمل ونعمل ونجني مبلغا اضافيا.. هذه حدود احلامنا: الحياة بكرامة وشرف، فالاحتلال يقدر ان يحاصرنا ويحرمنا من طفولتنا، ولكنه لن يسلبنا ارادة الحياة".
اما رفيقه الطفل علي الذي يعمل في ورشة تصليح المركبات فقال: "كثر الهموم جعلنا ننسى كل الاشياء، وعندما حدثثني عن يوم الطفل تذكرت وجه أبي العابس منذ طرده من عمله في تل ابيب، وقررت ان اتمسك بعملي لأنه يوفر مستلزمات اطفالي. اما يوم الطفل فلا معنى له والعالم يشارك في حرماننا طفولتنا وحياتنا وحقوقنا</SPAN>