مشاركة الحكام العرب الموالين لأمريكا لم تضمن في السابق نجاح القمم العربية، فلماذا يعتقد بعض الأغبياء اليوم بأن (مقاطعتهم) لقمة دمشق كفيلة بإفشالها.
وبعيدا عن ضوضاء الإعلام وحرب التصريحات، تبدو قمة دمشق من بين الأنجح في تاريخ القمم العربية، فهي لأول مرة ضمت مجموعة متجانسة من الحكام العرب، لا زالوا يحملون الحد الأدنى من الهم العربي، والحلم العربي.. حكام لا زالت في قلوبهم ذرة إيمان بأن القدس ستكون ذات يوم عاصمة لدولة عربية اسمها فلسطين، وبأن التواجد الأمريكي في دولة عربية اسمها العراق لن يكون سوى غزو.
ونجحت قمة دمشق لأول مرة في كشف الموالين لأمريكا، ليس كفرادى، لأن ذلك صار حقيقة أزلية لا نقاش فيها ولا جدال حولها، ولكن ككتلة واحدة موحدة، متجانسة بدورها، تأخذ تعاليمها من مشكاة واحدة، وتنتج نفس الخطاب (البراغماتي) اليائس والخانع، وإن اختلفت العمائم واللهجات.
أكيد أن قمة دمشق لن تحل كل مشاكل العرب ولا حتى بعضها، والأكيد أيضا هو نجاحها في التأسيس لعصر عربي جديد.. عصر عربي شفاف وواضح المعالم، لا لبس فيه بين عشيقات بوش وبين أنداده، بين من تحذرهم واشنطن من المشاركة وبين من تهنئهم باريس على المقاطعة، بين من يخافون مشنقة أمريكا وبين من يخشون مشنقة الشعوب.
لا مجال للحديث، في العصر العربي الجديد، عن ميلاد جبهة عربية للصمود والتصدي، لكن الممكن في مستقبل، نرجوه قريبا، هو تمكين الناس من متابعة قمتين، واحدة تضم الحكام العرب، ولا خلاف حول عاصمة الاحتضان، ولتكن الجزائر مثلا، أو طرابلس أو دمشق، ولِمَ لا بغداد أو القدس بعد الاسترجاع والتحرير، وقمة أخرى تضم أنصار واشنطن ومواليها، ولا خلاف هنا أيضا حول مكان الاحتضان، وليكن واشنطن مثلا، أو تل أبيب، أو حتى الدرك الأسفل من النار.. المهم هو إسدال الستار على عقود طويلة من النفاق الماسخ، ومن الخلط بين دول تريد أن تبقى عربية وبين أخرى اختصرت وجودها في دور (القفاز)، تستعمله أمريكا في جرائمها، كما فعلت في العراق، حتى لا تخلف وراءها دليل إدانة.