من اخطر الازمات التي تعصف بواقعنا هذه الايام، هو بروز ظاهرة عمل الاطفال وتدني المستوى المعاشي للاسرة العراقية، وكلا الامرين ينعطف بصورة سلبية على مستوى السلوك الاجتماعي لاطفالنا الاعزاء، وكذلك يولد حالة من الاحتقان او الاضطراب الفكري لديهم وعدم الاستقرار في تبني قراءة او ثقافة معينة، ضمن أجواء تلك الثقافات المتداخلة فيما بينها. ومما يوفر فرصة أكيدة امام انهزام السلوك المنضبط والطبيعي الى بوابة الفوضى الاخلاقية والكسب الغير مشروع.
لذا فأن نمو ظاهرة عمل الاطفال دون السن القانوني مؤشر خطر وملفت للنظر من خلال ما يتعرضون له في أماكن لا يصدق تواجدهم فيها كمحال تصليح السيارات او في محال تبديل الدهون او العمل في صباغة الاحذية وكذلك حالة العبث في تلال النفايات لعلهم يجدون ظالتهم من علب البيبسي الفارغة لبيعها.
انها بالتاكيد عناوين صارخة أو كوارث لا يمكن تجاهلها حيث انها تنبأ بجيل جديد يؤمن بأفة القتل والارهاب كعنوان ثابت او سمة مميزة في أثبات الذات أوامتلاك ناصية الما.
ولتسليط الضوء على هذا الجانب وسبر أغوار الحقيقة يجب ان ندرك بأننا كمن يدخل حقل الغام عليه ان يتوخى الحيطة والحذر اين يضع قدمه. لان هذه الازمة ليست ككل الازمات لانها تصب في شريان هذه الامة وجيلها الجديد؟.
لذا ارتأت (شبكة النبأ المعلوماتية) ان تلتقي بعدد من العوائل للبحث عن العوامل والاسباب التي تساهم في تقويض هذه الظاهرة او منعها من الانتشار.
في حي الغدير وامام محل لتبديل الدهون يعمل الطفل حسن بسنواته التي لم تصل الى الثامنة من العمر وقد تلطخت اثوابه بالزيت ورائحة البانزين المحترق، سألته منذ متى وانت تعمل هنا؟ حيث أجاب اعمل منذ فترة هنا مع أبي كي اتعلم مهنه، والمدرسة قلت له، أجابني المدرسة لا تعطي خبزا، اما والده فقد أجاب عن عمل طفله الصغير، أعلمه مهنه وهو صغير حتى يصبح اسطه عندما يكبر.
وفي أثناء تجوالنا في مدينة كربلاء شدنا منظر أخر الا وهو مشهد اطفال النفايات، اولئك الاطفال الذين يحملون على ظهورهم أكياس مختلفة الاحجام كي يتسنى لهم حمل اكثر كمية ممكنة من الازبال والنفايات، ولا اعني بعبارة الازبال الاوراق وما شاكل بل هي تتضمن عملية البحث عن المواد البلاستيكية المستعملة وكذلك البحث عن قناني البيبسي الفارغة، وهكذا دولايك يستمر العمل منذ الصباح الباكر الى ساعة متاخرة من النهار، وفي هذه الاثناء سألت أحدهم فقال: اجمع العلب الفارغة لبيعها بالكيلو اما بالنسبة للمواد البلاستكية فهي الاخرى تباع بالكيلو على معامل البلاستيك، ومن خلال هذا العمل يتحقق شيئان والكلام لحد الان لاحد الصبية الاول ان أعيل عائلتي والثاني التعلم على العمل وعدم الاتكال على الاخرين، اما ما يخص الدراسة فبالتاكيد هي امنيت كل أنسان ولكن هناك ثمة ضرورة هي التي دفعتني الى ترك المدرسة.
ولم ينتهي بنا الامر عند هذا الحد بل طالعتنا صور أخرى لاطفال صغار وهم يعاضدون عربات الدفع حيث يهمون بنقل بضائع المتبضعين من الاسواق رغم غضاضة اجسادهم النحيلة وهم يتسابقون من اجل الفوز بالاجرة.
ومن ثم انتقلنا الى الحي الصناعي في كربلاء لنشاهد منظر اخر يشجي القلوب والعيون واولئك الصبية الذين تسمرة بشرتهم من حر الشمس وهم يعملون في محال الغسل والتشحيم وليس بعيدا عن هذا المكان طالعنا اطفال اخرين وهم يعملون في محال لتبديل الاطارات.
ومن ثم اتجهنا صوب منطقة ما بين الحرمين الشريفين لنرى احد الاطفال وهو يبيع بدلات للاطفال حيث بادرناه بالسؤال منذ متى وانت تعمل، فأجاب اني اعمل منذ ساعات الصباح الباكرة الى ساعة متأخرة من الليل كي يتسنى لي بيع اكبر عدد ممكن من البدلات وذلك لاعيل عائلتي المكونة من ثلاث بنات ووالدتي علما بان ابي قد استشهد في احدى العملية الاهاربية وانا مهجر من منطقة الدورة، لذا يجب على الرجل ويعني نفسه ان يتحمل الصعاب من اجل الحفاظ على عائلته وشرفه، ولا أخفيك فأني قد أختنقة بعبرتي من هذا الكلام الذي لا تطيق تحملة الجبال فكيف بتلك الاجساد الخاوية وقد ودعت احمد وقد تسمرة فوق حدقات العيون قطرات كالجمر لما يتسنى لي الاحتفاظ بها الا من فرط خجلي امام هذا الجبل العنيد الا وهو احمد.