استراتيجية النسر الخاسر
كانا نسرين متشابهين تماماً ، حتى أنك عندما تراهما معاً قد تظن أنك تشاهد نسراً و صورته المنعكسة، منحهما الله القدرات نفسها : الجناحين القويين نفسيهما ، العيون الحادة نفسها ، الريش الخفيف الانسيابي نفسه ، تعلما الطيران معاً بالأسلوب نفسه .
و بينما هما في السماء يحلقان معاً على مستوى واحد ، بدأ الخمول يدب في أحدهم ، فاكتفى بفرد جناحيه معتمداً على قوة الهواء ، بينما استمر الثاني يخفق بجناحيه بقوة و كلما خفق بهما زاد علواًّ و ارتفاعاً ، و مع الوقت كان يسمو و يسمو ، و كان ينادي الآخر أن يعمل و يجتهد ليعلو ، لكنّ النسر الآخر كان يجد في نصائحه و كلماته له إهانة ، أخذ يقارن نفسه به ، و يتحدث مع نفسه حديثاً ذاتياًّ سلبياًّ .
قال : منذ صغري و هم يفضلونه ، منذ صغري و الحياة كيئبة في وجهي ، الأمور ميسرة له و النجاح مكتوب له ، كلهم يحبونه و يدعمونه ، ألا تلاحظون ؟! حتى الهواء يدفعه أعلى مني ، أنا محبط ، أنا مكتئب ، ترى متى ستأتي الظروف و الفرص و الحظ معي ؟! أريد أن أكون أفضل منه ، أن أرتفع أعلى منه ، لن أسمح له أن يرتفع و حده .
و أخذ يراقب النسر الآخر ، و انشغل بذلك التفكير السلبي و المراقبة عن الخفقان بجناحيه ، و كل مرة يخفق النسر بجناحيه يعلو و يعلو , و صاحبنا يراقب ويقارن و يفكر في حل لعله ينجح ، عندها قرر أن يسقطه ، فهي الطريقة الوحيدة لإيقاف تقدمه الدائم و نجاحه .
فكر ما الطريقة المثلى لإسقاطه ، أرميه بحجر هذا يعني نزولي للأرض ثم صعودي ستكون حينها المسافة أكبر و أكبر ، هل أشغله بكلام سلبي ؟ إنه لا يتوقف ليسمعني ، و فجأة لمعت الفكرة في ذهن صاحبنا النسر الطامح للنجاح و السمو !
قرر أن أفضل طريقة لإسقاطه هي ، أن ينزع من ريش جناحيه و يرمي به النسر الآخر لإسقاطه ، و بسرعة بدأ في التنفيذ ، ينزع من ريش جناحيه و يرمي النسر الآخر الذي كان في عجب منه .
النسر الآخر ، مع كل علامات الدهشة استمر يخفق و يخفق بجناحيه و يعلو ، بينما صاحبنا في لحظات أدرك أنه فقد الريش الذي يغطي جناحيه ، حينها سقط سقوطاً سريعاً و ارتطم بالأرض ، و مع سقوطه كان يردد عبارة وحيدة :
ألم أقل لكم إن الظروف دائماً ضدي ؟!