إلى كل وردة اقتلعتها يد خبيثة
من أرض طيبة
لتزرعها وسط الأشواك
عودي
فأبوب التوبة لا توصد
سمعت طرقات خفيفة على الباب
قلت : " أدخل "
فتحت الباب ودخلت
ومن خلف نظارتي بدت لي فتاة لم تتعد العشرين من عمرها ثيابها قصيرة شفافة تكاد تبدي أكثر مما تستر، شعرها أشقر طويل يتراقص على كتفيها بدلال، عيناها واسعتان عسليتان، تضع الكثير من الأصباغ على وجهها كأنها تحاول أن تمحو معالمه.
أشرت إلى الكرسي بجانبي و قلت : " تفضلي اجلسي ."
جلست أمام مكتبي، فتحت حقيبتها الصغيرة وأخرجت علبة السجائر، اختارت واحدة، أشعلتها و بدأت التدخين بتحد صارخ متجاهلة كل الصور المثبتة على جدار مكتبي و التي تمنع التدخين.
تجاهلتها متعمدا، تناولت دفتر ملاحظاتي وكتبت ( شخصية مهزوزة، استفزازية،....)
قطعت حبل الصمت سائلة باستهزاء :
- " ألن تسألني؟ أليست هذه مهنتك؟ ألست تدعي أنك تعالج الروح؟"
سألتها بلا مبالاة واضحة
- " ما اسمك ؟ "
تطلعت إلي ساخرة
" اسمي أنا؟ دعنا من الأسماء
رانيا.....أم زينب
أم هند.... أم هيفاء
أسخف ما نحمله - يا سيدي- الأسماء " *
أدركت أنها تريد أن تسجل انتصارا حواريا علي فقررت أن أتجنب لعبة الأسئلة و الأجوبة
فقلت : " ابدئي من البداية، تحدثي بما تريدين."
و بنظرات شاخصة إلى اللاشيء وبوجه جامد كأنما قد من صخر بدأت حديثها بدون مقدمات:
- " ولدت هناك في الحي المنسي، كنت الابنة الوحيدة، عشنا بسعادة كبيرة بالرغم من فقرنا، تربيت على القناعة والرضى، وفجأة توفي والدي لتكتسي الدنيا من حولي لون السواد ولتبدأ حياة أخرى....وهكذا تعودت الوقوف في طابور الخادمات، وفي أحد الأيام وقف رجل بسيارته ليطلب خادمة لمساعدة زوجته، فرافقته، وصلنا البيت، دخلنا، سكون مخيف يعم المكان، أدركت حينها أنني خدعت، ولك أن تتصور ما حدث....أغمى علي وعندما استفقت، أعطاني ملابس جديدة، أرغمني على ركوب السيارة من جديد، رمى لي بحزمة أوراق نقدية، وقال : " لا تحاولي البحث عني، البيت ليس لي، ولا يمكنك أن تثبتي شيئا ضدي، إن وجدتني يوما....."
عدت بعدها لأقف على الرصيف ولكن هذه المرة في الجانب الآخر في عالم الليل البهيم."
ترقرقت الدموع من عينيها وقفت بسرعة وقالت بكلمات تحمل الكثير من الغضب والألم :
- " لم آت إلى هنا لأمارس مهنتي أنا هنا.....أتيت فقط ل....."
تطلعت إلى وجهي وقالت بصدق : - " لا أدري حقا لم أتيت ؟"
أجبتها بثقة : - " بل تدرين. "
ردت بغضب : - " قلت لا أدري."
قلت بهدوء :- " إذن اجلسي "
جلست متثاقلة وهي تختلس النظرات إلى الباب.
أكملت حديثي : - " سيدتي أنت بالرغم من كل شيء تعافين جسدك تودين لو تستطعين إزالة الأوساخ العالقة به. أنت امرأة تعرف معنى الشرف و ربما أشرف من الكثيرات.... سيدتي وجودي لا ضرورة له، فأنت تعرفين طريقك جيدا، فقط اسمعي نبض قلبك.
على هامش الصمت
لا أحد ولد فاسدا، الفاسد نتاج مجتمع ظالم، نحن من نصنع الفاسدين.