ساحة المقاطعة: مكان لاستراحة "المحارب" قبل أن يواصل رحلته نحو القدس
في ساحة كانت على مدار سنوات طويلة مهبطا لطائرتي الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ومكانا توشح ببساط احمر مشى عليه العديد من قادة الدول، راحت مجموعة من الجرافات تمهد المكان المليء بالدمار الذي خلفته الة الحرب الاسرائيلية، ليكون مرقدا مؤقتا لجثمان " ابو عمار" منه يسافر الى القدس عندما يحين الاوان.
في هذا الركن او ذاك، من الساحة الشرقية لمقر المقاطعة، قد يدفن الشخص الذي " دوخ" العالم طيلة عقود. ربما تحت اشجار الصنوبر "الوحيدة" التي نجت من اسنان الجرافات الاسرائيلية وجنازير الدبابات التي استباحت المكان واغرقته بنيرانها، على مدى ايام بل شهور والعالم لم يحرك ساكنا.
الاف المواطنين احتشدوا منذ ساعات الصباح الباكر في محيط المقاطعة التي طالما أموها، بعد كل حصار، خلال الانتفاضة. وجوم وحزن وأسى خيم على المكان الذي اصبح يمثل في الذاكرة الفلسطينية رمزا جديدا من رموز الصمود والذي كان بطله- اي المكان- هذه المرة، ياسر عرفات ايضا.
المكان غص بالصحافيين وممثلي وسائل الاعلام المحلية والعربية والعالمية، ممن راحوا " يتصيدون" خروج هذا المسؤول او ذاك من مقر الرئاسة لاخذ تصريحات منهم، فيما كانت اللجنة التفنيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية تعقد اجتماعا داخل مقر المقاطعة الذي اغلق امام المواطنين والصحافيين، حيث جرى انتخاب امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير محمود عباس ابو مازن- المرشح الوحيد- رئيسا جديدا لها خلفا ل " ابو عمار".
ولم يجد الصحافيون وممثلو التلفزة العربية والعالمية افضل من البنايات والمنازل المحيطة بمقر المقاطعة، وتم جعلها منصات ازدحمت اسطحها بالكاميرات، استعدادا لتغطية مراسم تشييع الرئيس والتي يرجح ان تكون يوم السبت المقبل، حيث بادروا الى استئجارها من اصحابها بمبالغ طائلة.
كثير من المواطنين، جاءوا وكأنهم غير مصدقين ان الشخص الذي تمكن من الخروج من كل الازمات التي مر بها طيلة تاريخه الكفاحي ونجا من محاولات كثيرة لقتله.. سوف يفارقهم هذه المرة والى الابد. شبان وشابات نساء وشيوخ، ملأت الغصة حلوقهم انفجروا في بكاء ونحيب على ياسر عرفات الذين لم يعرفوا رئيسا لهم غيره.
وبالمقابل وقف مجموعة من الشبان والشابات ممن فتحوا عيونهم على الدنيا فوجدوا "ابو عمار" بكوفيته الفلسطينية قائدا لهم ورمزهم، على جدار مقابل البوابة الرئيسية لمقر الرئاسة وراحوا يهتفون والحماس يملؤهم بحياة الرئيس عرفات. " يا ابو عمار ارتاح ارتاح بعدك نواصل الكفاح، وبالروح بالدم نفديك يا ابو عمار". ورددوا عبارات كان يرددها الرئيس الفلسطيني " على القدس رايحين شهداء بالملايين…" العبارات التي كان "ابو عمار" يطرب لها ويبادر محبيه بترديدها، لكنه هذه المرة لم .. ولن يخرج ليرددها امام من احتشدوا لمبايعته.
" اين سيدفن؟ هنا ام هناك ؟ ربما في ذلك الجانب او ذاك"، تساءل شبان وصبايا تسلقوا على الجدار الوحيد المتبقي – سالما الى حد ما- حول المقاطعة واخذوا يسترقون نظرات سريعة الى الساحة، التي يجري تمهيدها لاحتضان ضريح الزعيم الفلسطيني، و المتوقع ان تغص بعشرات الاف المشيعين من مواطنين وقادة وممثلي دول، سيصلون رام الله للمشاركة في وداعه، حيث تقرر ايضا ان يقام مسجد على مقربة من الضريح.
الفلسطينيون الذين ابتهجوا الليلة الماضية بعد سماعهم اخبار " مطمئنة" عن صحية الرئيس عرفات مثل توقف نزيف الدماغ وارتفاع عدد الصفائح الدموية، افاقوا اليوم على نبأ اعلان وفاته، حيث تليت بيانات النعي وبدات مكبرات المساجد ببث ايات من الذكر الحكيم، كما قطعت اذاعة وتلفزيون فلسطين والمحطات المحلية ارسالها وبدات بتلاوة ايات من القران الكريم.
وقد غطت سماء الاراضي الفلسطينية سحبا كثيفة من الدخان الاسود الناجمة عن اطارات مطاطية تم اشعالها في مختلف المدن والقرى والمخيمات بشكل تلقائي كعنوان على حالة الحزن التي خيمت على مختلف التجمعات الفلسطينية. وخلت الشوارع الخارجية من الحركة، فيما جابت سيارات مزينة بصور الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وبعضها رفع الرايات السوداء شوارع رام الله وهي تفتح ابواقها وتبث ايات من القران الكريم.
من جانبها، فرضت قوات الاحتلال الاسرائيلي اجراءات استثنائية خاصة في محيط رام الله، حيث اقامت عددا كبيرا من الحواجز وانتشرت باعداد كبيرة من الجنود وفرضت اغلاقا شاملا ومنعت الدخول الى القدس.